كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، و َمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ ، و َمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، و َمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأرْبَعِ ".
و روى الإِمام الشافعي بإسناده في الأُمّ حديثاً مرسلاً أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : " اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ التقاءِ الجُيُوشِ ، و َإقامَةِ الصَّلاةِ ، و َنُزُولِ الغَيْثِ " .
و شروط الدعاء سبعة : التضرع و الخوف و الرجاء و المداومة و الخشوع و العموم و أكل الحلال .
وقال ابن عطاء: إن للدعاء أركاناً وأجنحة و أسباباً و أوقاتاً .. فإن وافق أركانه قوي ، و إن وافق أجنحته طار في السماء ، و إن وافق مواقيته فاز ، وإن وافق أسبابه أنجح .
فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع .. و أجنحته الصدق .. و مواقيته الأسحار.. و أسبابه الصلاة على محمد صلى اللّه عليه وسلم .
وقيل : شرائطه أربع : أولها حفظ القلب عند الوحدة ، و حفظ اللسان مع الخلق ، و حفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل ، و حفظ البطن من الحرام .
و قد قيل : إن من شرط الدعاء أن يكون سليما من اللحن ، كما أنشد بعضهم:
ينادي ربه باللحن ليث كذاك إذا دعاه لا يجيب
وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟
قال: لأنكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه ، و عرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، و عرفتم القرآن فلم تعملوا به ، و أكلتم نعم
اللّه فلم تؤدوا شكرها ، و عرفتم الجنة فلم تطلبوها ، و عرفتم النار فلم تهربوا منها ، و عرفتم الشيطان فلم تحاربوه و وافقتموه ، و عرفتم الموت فلم تستعدوا له ، و دفنتم الأموات فلم تعتبروا ، و تركتم عيوبكم و اشتغلتم بعيوب الناس .
قال علي رضي اللّه عنه لنوف البكالي :
يا نوف ، إن اللّه أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة و أبصار خاشعة و أيد نقية ، فإني لا أستجيب لأحد منهم ما دام لأحد من خلقي مظلمة.. يا نوف ، لا تكونن شاعراً و لا عريفاً و لا شرطياً و لا جابياً و لا عشاراً ، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها ، إلا أن يكون عريفاً أو شرطيا أو جابياً أو عشاراً أو صاحب عرطبة - وهي الطنبور- أو صاحب كوبة - وهي الطبل - .
قال علماؤنا: ولا يقل الداعي : اللهم أعطني إن شئت ، اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت . بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء .
وأيضا فإن في قوله "إن شئت" نوعاً من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته ، كقول القائل: إن شئت أن تعطيني كذا فافعل . لا يستعمل هذا إلا مع الغني عنه ، و أما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله.
روى الأئمة واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له) . وفي الموطأ : (اللهم اغفر لي أن شئت، اللهم ارحمني إن شئت) .
قال علماؤنا : قوله ( فليعزم المسألة ) دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء و يكون على رجاء من الإجابة ، و لا يقنط من رحمة اللّه ، لأنه يدعو كريماً .
قال سفيان بن عيينة : لا يمنعن أحداً من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن اللّه قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس ، قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين .
وللدعاء أوقات و أحوال يكون الغالب فيها الإجابة ، و ذلك كالسحر ، و وقت الفطر ، و ما بين الأذان و الإقامة ، و أوقات الاضطرار و حالة السفر والمرض ، وعند نزول المطر ، و الصف في سبيل اللّه ، كل هذا جاءت به الآثار .
ورعاية شروط الدعاء كحضور القلب و ترصد الأزمنة الشريفة و الأمكنة المنيفة و اغتنام الأحوال اللطيفة كالسجود إلى غير ذلك حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد ، أو أراد وأنتم معتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه و كمال قدرته و إحاطة علمه لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء، لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثناً لم يكن دعاؤه صادقاً